الاستثمار الحقيقي
قذيفة مدفع اخترقت شارعنا، فأنجبت عشرة متطوعين.. كلمات تختصر الواقع السوري بحاراته ومدنه على امتداد تجربة السنوات الأربع، التي كانت مخاضاَ، جاء بعده جيل سوري جديد بأفكاره وطاقاته، حيث لا بد لكل عمل من دافع، والواقع هنا كان الدافع.
التطوع هو بذل قيمة مادية كانت أو معنوية دون مقابل، وهو تعبير ناضج عن الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، التي تتخطى بحث الشخص عن منفعة الأفراد، لتصل إلى مصلحة الجماعة، فهو عملية تجميع لطاقات المجتمع وإمكانياته واستثمارها على أكثر من صعيد، ومن الأساسيات التي يقوم عليها التطوع بمفهومه الحديث أنه عمل جماعي يقوم على مسارين، أولهما البحث في حل المشاكل القائمة والثاني البحث في سبل التقدم، الهدفان الذان تحاول أي منظمة تطوعية الجمع بينهما، وتطغى أهمية كل منهما على الآخر باختلاف الظروف المحيطة.
والعمل التطوعي في أي مجتمع قد يكون بديلاً عن الدور المؤسساتي الرسمي أو مكملاً له، وبقدر ما يتسم المجتمع بالوعي والتبني لمفهوم التطوع والبذل، يكون دورالمنظمات والهيئات التطوعية حيوياً ومؤثراً، ففي سويسرا مثلاً، يقوم كل مواطن من أصل أربعة بعمل تطوعي لفائدة منظمة أو مؤسسة، أي ما يعادل أكثر من مليون ونصف المليون شخص، أما في عالمنا العربي، يعاني مجال التطوع من مشكلة أساسية وهي قلة إقبال المتطوعين، الأمر الذي انتفى وجوده لحسن الحظ مع التجربة السورية المعاصرة، سواء في الداخل أو مجتمعات المهجر البديلة، فقليل هم من لم يشاركوا بعمل تطوعي أو أكثر، وهذه تعتبر من الإيجابيات التي تحسب للجيل الجديد، فالجميع مندفع ومتحمس، الرغبة في تقديم المساعدة كانت صفة موجودة لدى الجميع، فكل معاناة جماعية تترافق بإرادة جماعية للتغيير والتخلص من هذه المعاناة، وربما كان التطوع متنفساً لكل من يريد أن يصنع فرقاً ويخطو بنفسه نحو التغيير، لكن المشكلة الأساسية التي أصابت منظمات التطوع السورية على اختلاف أماكن تواجدها، هي غياب التنظيم، ويعود ذلك لأسباب أهمهما أن التطوع الفعال يعتبر تجربة جديدة كلياً على السوريين، مما أدى لإهدار طاقات البعض، وعزوف بعض آخر عن التطوع لغياب أو قلة الإنجازات الحقيقية.
إلا أن النواة التطوعية القائمة على أسس صحيحة، تؤمن بالتخطيط الذي يسبق العمل، والمشروع القائم على وجود خطة عامة، واستراتيجية، وآليات تنفيذية تسير على خطى الاستراتيجية، وتحقق أهداف الخطة العامة، وذلك يكون بالإيمان الحقيقي بأهمية التطوع، والجدية والإلزامية في العمل، فهو بالنهاية عمل يسعى لتحقيق منفعة، منفعة اجتماعية مشتركة..وهاذا ما نؤمن به في خطوة.